![]() |
#1 |
مراقب عام
![]() تاريخ التسجيل: Mar 2015
الدولة: إيطاليا
العمر: 71
المشاركات: 52,675
معدل تقييم المستوى: 10 ![]() |
![]() بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :- (( الشُّهرة بين الطَّلَب والـهَـرَب )) _لا تكادُ تُخطئُ عينُ القارئِ في سِيَرِ السَّلفِ الصالحِ -رحمةُ اللهِ عليهم- الحَديثَ عن كراهيةِ الشُّهرةِ، فنقرأُ أمثالَ هذه العِباراتِ: "لم يكنْ يمنعُني مِن مُجالَسَتِكم إلَّا مَخافةُ الشُّهرةِ"، و"كان فُلانٌ يتوقَّى الشُّهرةَ"، وقال أحدُ الأئمةِ يَعِظُ أخاه: "إيَّاكَ والشُّهرةَ؛ فما أتَيتُ أحدًا إلَّا وقد نهاني عنِ الشُّهرةِ"، وقال آخَرُ: "بُثَّ عِلْمَكَ, واحذَرِ الشُّهرةَ"، ورُوِيتِ هذه الجُملةُ عن غَيرِ واحدٍ: "لم يَصْدُقِ اللهَ مَن أحَبَّ الشُّهرةَ"، وأمثالُها كثيرٌ. ولا ريبَ أنَّ هؤلاء الأئمَّةَ لم تتوارَدْ كلِماتُهم إلَّا وهم يُدرِكون أثَرَ الشُّهرةِ على القَلبِ، وأنَّ الإنسانَ كُلَّما زادت شُهرتُه، صارَتِ التَّبَعةُ على قَلبِه أكبَرَ، مِن جهةِ المُجاهدةِ على الإخلاصِ، والتجرُّدِ للهِ تَعالى، ومُكابدةِ القَلبِ على تَخليصِه مِن حُظوظِه. _وهذا المعنى حقٌّ وظاهِرٌ، ولا يأباه مَن عَرَف سيرةَ القَومِ ومُرادَهم، إلَّا أنَّ الذي رأيتُه في واقِعِ بَعضِ طُلَّابِ العِلْمِ، وبعضِ مَن لديه ما يُمكنُه الانطلاقُ به في الدعوةِ إلى اللهِ تَعالى، أنَّهم يستحضِرون أمثالَ هذه الآثارِ -حقيقةً أو معنًى- كُلَّما عُرِضَ على أحدِهم المُشاركةُ في نَشرِ العِلْمِ، أوِ الدعوةِ إلى اللهِ تَعالى، وكأنَّ هذه الآثارَ نُصوصٌ نبويةٌ قطعيةٌ مُحكَمةٌ غيرُ مَنسوخةٍ! _ولو سأل هؤلاء الإخوةُ -الذين يحتَجُّون بمِثلِ هذه الآثارِ- كيف وصَلَتْ إلينا هذه الآثارُ؟ وكيف عَرَفْنا هؤلاء الأئمةَ؟ بل كيف صاروا أئمةً يُقتَدى بهم، ويشار إليهم بالبَنانِ؟ لم يكونوا كذلك إلَّا ببَذلِهم وعطائِهم، ولو أنَّهم آثَروا الخُمولَ التَّامَّ لَمَا انتَفَعَ الناسُ بعِلمِهم، فهم -لِعظيمِ فِقهِهم- لم يكنْ حَذَرُهم مِن تطلُّبِ الشُّهرةِ مانِعًا لهم مِنَ الإنفاقِ ممَّا وهبَهم اللهُ مِنَ العِلْمِ، وإلَّا فكيف عَرَفناهم؟! _ولا يَخفى على طُلَّابِ العِلْمِ أنَّ الشُّهرةَ بالعِلْمِ وطَلبِ الحديثِ أحدُ شُروطِ قَبولِ روايةِ الراوي، وإلَّا كان ذلك ممَّا يَقدَحُ في صحةِ ما يَرويه؛ لِدُخولِه في عِدادِ المَجاهيلِ ومَستوري الحالِ. -وهذا الإمامُ أحمدُ -رحمه اللهُ- أحدُ أشهرِ الأئمةِ الذين كانوا يكرهون الشُّهرةَ، ويهرُبون منها، حتى قال: أُريدُ أنْ أكونَ في شِعبٍ بمكةَ حتى لا أُعرفَ، قد بُليتُ بالشُّهرةِ، إنِّي أتمَنَّى المَوتَ صَباحًا ومَساءً. وقال مرَّةً: ما أعدِلُ بالفَقرِ شَيئًا، ولو وَجَدتُ السبيلَ، لَـخَرَجتُ حتى لا يكونَ لي ذِكْرٌ. _وقال لِتلميذِه المروذي: قُلْ لِعبدِ الوهَّابِ: أخْمِلْ ذِكْرَكَ؛ فإنِّي قد بُليتُ بالشُّهرةِ. [يُنظر في هذه النُّقولُ عنِ الإمامِ: سِيرُ أعلامِ النُّبَلاءِ ط الرسالة (11 / 216، 226)، الآدابُ الشرعية (2/27)]. هذا الإمامُ -الذي قال عنِ الشُّهرةِ ما قال- لم يَمنَعْه ذلك مِن أداءِ ما أوجَبَه اللهُ عليه مِن إبْلاغِ العِلْمِ، ومُخالَطةِ الناسِ، بل والوقوفِ في وَجْهِ السلطانِ وعُلماءِ السُّوءِ حين دُعيَ إلى المقالةِ البِدْعيةِ الكُفريةِ: القَولِ بخَلْقِ القُرآنِ!! -والنظرُ في سيرةِ هذا الإمامِ -وغَيرِه مِنَ الأئمةِ الذين كانوا يكرهون الشُّهرةَ، كابنِ سيرينَ وأيُّوبَ السختياني _والثوري- هو الذي يُحدِثُ التوازُنَ في هذه المَسألةِ التي صار فيها كثيرٌ مِنَ الناسِ بيْنَ طَرَفَيْ نَقيضٍ. ودُونَكَ هذا النَّصَّ البَديعَ مِنَ الإمامِ النوويِّ -رحمه اللهُ- حيث قال في كِتابِ القَضاء مِن "رَوضةِ الطالِبين" (11/92): _وأمَّا مَن يَصلُحُ -أيْ لِلقَضاء- فله حالانِ، أحدهما: أنْ يتعَيَّن لِلقضاءِ، فيَجبُ عليه القَبولُ، ويَلزَمُه أنْ يَطلُبَه ويُشهِرَ نَفْسَه عندَ الإمامِ، إنْ كان خامِلًا، ولا يُعذَرُ بأنْ يَخافَ مَيْلَ نَفْسِه وخيانتَها، بل يَلزمُه أنْ يقبلَ ويحتَرِزَ، فإنِ امتنعَ، عَصى". وقال بعْدَ ذلك بقليل (11 / 93): "وأمَّا الطلبُ، فإنْ كان خامِلَ الذِّكْرِ، ولو تولَّى، اشتُهِرَ وانتَفَع الناسُ بعِلْمِه، استُحِبَّ له الطلبُ، على الصحيح". انتهى. _وهذا -لَعَمْرُ اللهِ- هو الفِقهُ الذي تجتمعُ به الأدلَّة، وقد ازدادَ جمالُه أنَّه صادِرٌ مِن عالِـمٍ عابِدٍ زاهِدٍ. والذي يَظهَرُ ويُلاحظُ في السِّيَرِ، ويُشاهَدُ في أرضِ الواقعِ، أنَّ الشُّهرةَ كالإمارةِ، مَن طلبها وُكِلَ إليها، وأصابه مِن ضَررِها بحَسَبِ ما في قَلبِه مِنَ الطلبِ، ومَن أتَتْه دُونَ طلبٍ ورَكضٍ، أُعينَ عليها. إذا تبيَّن هذا؛ _فإنَّ العاقِلَ يَحذَرُ مِن طلبِ الشُّهرةِ، والرَّكضِ خَلفَ بَريقِها، أو القيامِ في بَعضِ المَواطِنِ بقَصدِ الذِّكْرِ والشُّهرةِ بيْنَ الناسِ، كما ذُكِرَ في ترجمةِ أحَدِهم: "وكان يقرَأُ في التراويحِ بالشَّواذِّ رغبةً في الشُّهرةِ"، أو يَبلغُ به الحالُ أنْ يكونَ كما قيلَ عن أحَدِهم: "له نَفْسٌ شَغفةٌ بالشُّهرةِ، ومُشِفَّةٌ لِلعُلوِّ"؛ فإنَّ مِثلَ هذا أقربُ لِلخِذلانِ، وحِرمانِ بَرَكةِ العِلْمِ، بل وحُبوطِ العملِ -والعياذُ باللهِ! _والمسألةُ تَحتاجُ إلى بَسطٍ أكثرَ، تَجنَّبتُه عَمْدًا؛ لِأنَّ القَصدَ الإشارةُ، _وإلَّا فهذه المسألةُ وثيقةُ الصلةِ بمسألتَيْنِ كبيرتَيْنِ: الإخلاصِ، ومسألةِ: الخُلطةُ أم العُزلةُ؟ _والبحثُ في تَفضيلِ إحداهما على الأخرى ممَّا صُنِّفتْ فيه المُصنَّفاتُ. والمُوفَّقُ مَن تعاهَدَ قَلبَه، وتفَقَّدَ نيَّتَه، ومَن صَدَقَ صَدَّقَه اللهُ وأعانَه، ومَن تلبَّسَ بما ليس فيه شانَه اللهُ. اللَّهمَّ أعِذْنا مِن شُرورِ أنْفُسِنا، ووفِّقْنا لِمَا تُحبُّه وترضاه. الشيخ الدكتور عُمر بن عبدالله المُقبل. **************
0 السور المنجيات هل هناك دليل على تخصيصها بهذا الوصف
0 قصة عودة تابوت نجم عنخ الذهبي 0 يستجيب الله تعالى دعاء عباده في يوم عرفة 0 تأملات قرآنية 0 عشر همسات للنساء 0 5 عادات يومية للحفاظ على العينين من أضرار 0 كلمات لها معنى 0 مهن وحرف الأنبياء 0 كلمات تمس القلب 0 اللهم اجعل همي الآخره 0 اضرار صحيه بسبب تطويل الاظافر 0 أهمية التمسك بالتقويم الهجري 0 مكانة مصر في الأسلام 0 تقصف الشعر 0 كيف اكتشف أن طفلى لا يسمع |
![]() |
![]() |
![]() |
#2 |
مراقب عام
![]() تاريخ التسجيل: Mar 2015
الدولة: إيطاليا
العمر: 71
المشاركات: 52,675
معدل تقييم المستوى: 10 ![]() |
![]()
بإنتظار ردودكم.
0 ثان ليلة ساخنة في لبنان
0 تاريخ الصيام 0 مَن قالها في مَرَضِهِ ثم مات 0 الزواج والطلاق عند البدو 0 يا من تبحث عن إنسان يفهمك 0 أنا وصديقي المطر 0 درس بليغ 0 التفقه في الدين 0 تعرّف على أسباب التأتأة عند الأطفال 0 الأبكم الفصيح 0 نصيحة إلى كل من يعيش في بلد الغربة 0 أرقى ما يتعلمه الانسان 0 كلمات تعرفها... بمعنى لم تعرفه 0 العرافة 0 اعراض زيادة النيكوتين في الجسم |
![]() |
![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الكلام الجنسي المثير بين الزوجين فن واثارة | محمص القلوب | منتدي عالم المرأة | 1 | 02-18-2021 09:16 PM |
كيف تستمع الى خطبة الجمعة | احلا شهود | المنتدي الاسلامي (الشريعة و الحياة) | 9 | 01-28-2020 08:04 PM |
مشكلات الحدود العربية -العربية واحتمالات الحروب(اساسى) | اشرف لطفى | منتدي القضايا العربية و الاسلامية | 3 | 04-28-2017 07:08 AM |
هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم | جنى الجنتين | منتدي السيرة النبوية والسنة المطهرة | 18 | 08-27-2012 09:48 PM |
قْفً عَلْىُ القُبْورْ - -يْامًوتْ ! -يْامًوتْ ! - مَاذْا فَعْلتُ بالأْحًبـةِْ - ! | "كحل العيون" | المنتدي الاسلامي (الشريعة و الحياة) | 11 | 03-14-2011 05:23 PM |