إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع
قديم 11-11-2019, 01:01 PM   #1
مراقب عام
 
تاريخ التسجيل: Mar 2015
الدولة: إيطاليا
العمر: 73
المشاركات: 73,660
معدل تقييم المستوى: 10
معاوية فهمي إبراهيم is on a distinguished road
افتراضي لماذا كل هذا الحزن ؟


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
(( لماذا كل هذا الحزن )) ؟!

الحزن هو أحد صور المشاعر الإنسانية الفطرية، وهو الذي يخطف منا كل ألوان الحياة الجميلة، وهو العاطفة الإنسانية الوحيدة التي تتساقط عنها كل الأقنعة، وهو الكتاب المغلق الذي لا نفتحه إلا أمام أصدقائنا المقربين، وهو الذي يشعرنا بضعفنا وقلة حيلتنا وحاجتنا إلى المساعدة

_وفي المقابل فالحزن على التفريط في حق الله يقطعنا عن المعاصي، ولهذا قال مالك بن دينار: «إذا لم يكن في القلب حزن خرب»، والحزن يجعلنا نستشعر آلام الآخرين عندما يحزنون، ويدفعنا لمساعدتهم. ورغم مرارة الحزن، إلا أنها تجعلنا نحس بطعم السعادة والغبطة والسرور خاصة عندما تكون بعد نوبة حزن شديدة.

إلا أن الإسراف في الحزن ليس مطلوباً شرعاً ولا مقصوداً أصلاً، بل هو منهي عنه، فقال تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا} [آل عمران: 139] {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [الحجر: 88] { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38] فالحزن خمود لجذوة الطلب، وهمود لروح الهمة، وبرود في النفس، وهو حمى تشل جسم الحياة.
_فلماذا المبالغة في الحزن إذن؟! وماذا يعمل الحزن غير تكدير الحياة، ومنع الإرادة من التحليق في رحاب سماء الطموح وإثبات الذات .. هل الحزن يعود بشيء غير أنه يزعجك من الماضي ويخوفك من المستقبل ويهدم عليك وقتك ؟ هل الحزن يفرج عن النفس ويشفي القلب؟ .. كلا بل يديم كربك ويجعلك تتقوقع داخل دائرة سماؤها رمادية وأرضها جدباء وحياتها ذابلة, حرمت عليك فيها الضحكة, تتنفس فيها الآهات وتتجرع الآلام.

_إن الحزن لا يرد مفقودا, ولا يبعث ميتا, ولا يدفع قدرا،ولا يجلب نفعا, فلماذا لا توقف ساعة أحزانك وتفكر في كل المشاعر والمعاني الجميلة, لماذا لا توقف نزيف آلامك التي تكدر عليك أيامك, فالذكي ليس هو الذي يستطيع أن يزيد أرباحه إنما الذكي هو الذي يحول خسائره إلى أرباح.

_إن الإنسان يجزع وتستخفه الأحداث حين ينفصل بذاته عن الوجود، ويتعامل مع الأحداث كأنها شيء عارض يصادم وجوده الصغير، أما حين يستقر في تصوره وشعوره أنه هو والأحداث التي تمر به وبغيره والأرض كلها ذرات في جسم كبير هو هذا الوجود، فإنه يحس بالراحة والطمأنينة لمواقع القدر، قال تعالى {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22 – 23]
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كنت ردف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالتفت إلى فقال: «يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه، أو أرادوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا».

_وعن الوليد بن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: دخلت على عبادة وهو مريض فقلت أوصني؟ فقال: «إنك لن تطعم طعم الإيمان ولن تبلغ حقيقة العلم بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره وهو أن تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، وإن مت ولست على ذلك دخلت النار».


_عندما يعلم الإنسان يقينا أن الأمور مفروغ منها ومكتوبة لا يمكن أن يتملكه طوفان الحزن العارم، وكيف يحزن وهو يعلم بأن كل هؤلاء البشر الذين حوله لا يملكون له نفعا ولا ضرا، فلم القلق؟! ولم الحزن إذن؟! فكلنا معرضون للمحن والمصائب بما فعلت أيدينا، قال تعالى {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى:30]، وجميعنا مبتلون، إما محبة من الله أو اختبار منه، أو لتخفيف ذنوبنا قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]، فلماذا لا نغير مفهومنا عن المصائب والأحزان. نؤمن بأنها قد تكون علامة على محبة الله للعبد، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم» [صحيح الجامع: 1706]، وقال صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون» [صحيح الجامع: 995].

_فإلى كل حزين وكل مهموم وكل مكتئب وكل متشائم .. إلى كل من يلعن دنياه وأيامه .. إلى كل من يتمنى الموت اليوم قبل غد .. إلى كل هؤلاء نقول: هل فكرت يوماً في أن تطرق باب من لا يخيّب طارقا؟ هل لجأت إلى من لا ملجأ منه إلا إليه؟ هل خطر لك أن تتعلق بباب أرحم الراحمين الذي لا يرد عن بابه المستجيرين به.
_قال تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62] فينبغي أن تلازم محراب الإنابة وتجلس جلسة المستجدي، والسعيد من ذل لله وسأل العافية ليتغلب بها على أحواله، وإياك أن تستبطئ الإجابة, أو يغيب عنك أنه الملك الحكيم في تدبيره العالم بالمصالح, وأنه يريد اختبارك ليبلي أسرارك، وأنه يريد أن يسمع تضرعك، وأنه يريد أن يأجرك بصبرك
اسلام ويب.
§§§§§§§§§§§§§


التوقيع
اضغط هنا لتكبير الصوره
معاوية فهمي إبراهيم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أقوال وحكم باللغتين الانجليزية والفرنسية احمد اللسـاني منتدي الأدب العالمي و روائعه 8 12-17-2015 02:56 PM
رواية {{ بـويـات ولـيـديـات }} لا تقـولـون وشلـون بـنـت يـاعـرب تـعـشـق بـنـت !! 3ashq Srabh قسم الروايات المكتملة 56 01-14-2015 08:20 PM
لقاء عن اروع صور الفكر الاسلامى السياسى الحديث اشرف لطفى المنتدى السياسي والاخباري 8 01-27-2012 10:23 PM
موسوعة عن امرآض العين خَفَآيَآ الْرُوْحْ منتدي طب - صحه - غذاء - الطب البديل - اعشاب - ريجيم 9 12-30-2011 10:56 PM


الساعة الآن 06:36 PM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2023, Jelsoft Enterprises Ltd.
المقالات أو المشاركات أو الآراء المنشورة في شبكة منتديات برق بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لشبكة برق بل تمثل وجهة نظر كاتبها.